من حكايات الرحالة (ابن بطوطة) هذه الحكاية، أريدكم أن تشاركوني بها ـ لو سمحتم ـ فقد ذكر أن هناك رجلاً يقال له: (أدهم الزاهد)، كان يتوضأ يوماً من أحد الأنهار، وإذا بتفاحة يحملها الماء، فالتقطها وأكلها.
إلى هنا فالموضوع عادي، ولو أنني كنت في مكانه لأكلت (أبو أجدادها) وأنا مغمض، غير أن ذلك الرجل الزاهد ليس مثلي (مهوي على الآخر)، لأنه عندما أكلها أنبه ضميره ودخل في نفسه الوسواس، فعزم على أن يستحل صاحب البستان، فقرع باب البستان ففتحت له جارية، وقال لها: ادعي لي صاحب المنزل، فقالت: انه لامرأة، فقال: استأذني لي عليها، ففعلت وأخبر المرأة بخبر التفاحة، فقالت إن هذا البستان نصفه لي ونصفه للسلطان، وإنني أحللتك من نصفي، أما السلطان فهو الآن (ببلخ) وهي على مسيرة عشرة أيام.
وذهب آكل التفاحة (المحرّمة) واعترض السلطان في موكبه، وأخبره بما حصل واستحله، فأمره أن يعود إليه من الغد، وكان للسلطان بنت بارعة الجمال (تقول للقمر قوم وأنا اجلس بدالك) ـ وهذه الجملة الأخيرة التي بين قوسين هي من عندي، أقول ذلك فقط للأمانة ـ، وقد سبق لتلك البنت أن خطبها أبناء الملوك فتمنعت، لأنها تحب الأخيار الصالحين، ولا تتمنى أن تتزوج إلاّ من رجل ورع زاهد.. وقد أخبر السلطان ابنته بقصة ذلك الرجل ـ فتعلقت برقبته قائلة: أرجوك أرجوك ثم أرجوك يا أبي أريد هذا الرجل ـ وهذه الجملة كذلك من عندي.
المهم أن السلطان قال للزاهد إنني لن أستحلك إلاّ أن تتزوج ابنتي، وبعد ممانعة (غير منطقية) من أخينا الزاهد وافق على ذلك، وتزوجها.
وعندما دخل عليها وشاهدها متزينة (ومتأنتكة)، ما كان من المضروب إلاّ أن يعمد على ناحية من البنت ويقبل على صلاته حتى الصبح، ولم يزل كذلك سبع ليال، والأميرة ابنة السلطان كانت طوال تلك المدة تشاهده وهو يسجد ويركع وهي واضعة يدها على خدها تنتظر.
فلما عيل صبرها وهي ترى زوجها لا يتلحلح ذهبت إلى أبيها باكية تخبره عن حالة الكرب التي هي فيها، فاستدعاه السلطان وقال له: إنني لا أحلك من نصف التفاحة حتى تواقع زوجتك، فلما كان الليل واقعها مرغماً من أجل (الاستحلال) فقط لا غير، ثم اغتسل وقام إلى الصلاة فصاح صيحة وسجد في مصلاه ووجد ميتاً رحمه الله ـ الذي يترحم عليه هنا طبعا هو ابن بطوطة.
انتهى كلام عمنا ابن بطوطة، ولا أدري هل كانت صيحة ذلك الزاهد من شدة الأسف أو شدة الفرح على تلك (المواقعة)؟!، ولكن لا شك إنني أعتقد أنه زاهد محروم ليس في رأسه ولا حتى ذرة من عقل، فمن هو المجنون الذي تحل له بنت سلطان، وكمان حليوة (ويفوتها) والله عجيبة، فعلاً عجيبة (!!)، يا ليتني كنت في ذلك العصر، ويا ليتني أكلت التفاحة.
نسيت أن أخبركم عن نهاية الحكاية، فبنت السلطان قد حملت من الزاهد الخيبان، وأنجبت ولداً يقال له إبراهيم، تولى الحكم بعد وفاة جده السلطان.
وتذكر كتب التاريخ أنه كان أكثر الحكام فجوراً وفسوقاً، رغم أن والده مات من شدة الزهد، وإنني بهذه المناسبة غير السعيدة أرجو من إخواني الزهاد أن ينتبهوا على مواقعاتهم وعلى أولادهم.