هذه الدنيا
كالشذي يفوح بعطره الحلو كانت.وكانوا يرنون إليها وكانت تتلقاهم بقلب فائر وثغر باسم وكنت أضجر تلك الحياة التي فرضت على وكان أجمل ما فيها تلك الهالة التي غدت حولي في كل مكان فأنا الشيخ الوقور الذي يحق لي دخول كل الأماكن دون خوف أو قلق.وأنا حافظ السر. سر كل من حولي .يلجأون إلي يبثون خوفهم وقلقهم وقد أدركوا أن الحل لدي.صرت أفكر لهم ولا يفكرون وكان أكثر ما أضيق به في حياتي هو التبعية.تبعيتهم لي.وكانت مشاكلهم وقضاياهم هي النساء وكنت أقول في نفسي ما أحمق الرجال لو كانت قصوى أمانيهم رضا النساء!!ولكني كنت كالمنادي في وسط الطريق أن يا قوم هناك حفرة فخذوا حذركم فكنت أول الساقطين فيها لأني لم أنبه نفسي أولا وقبل كل شيء.وكانوا يصغون إلي وأنا أتحدث وكانوا يرجون المزيد وكنت أصمت إذا قدر لي الصمت.على أني رغبتها كما رغبها الجميع وكنت أريد دوري أنا الآخر!!ما المانع!!إن الوقار زيف هو الآخر لرجل مثلي.فلست رجلا وقورا فكيف أكون كذلك وأنا أريدها.وبدأت ألق بنفسي في طريقها.على أنها لم تنتبه لي قط.وكيف تنتبه لي وكيف ترى في غير ما يراه الناس.وهكذا رأيت الدنيا في نفسي حرجا ضيقا بفعل الناس وبفعل الوقار المزعوم!ورنوت إليها من جديد فما زاد الأمر عن سابقه وكانت ترمقني بنظرها وتقول لي :-
- أدعو لي يا شيخ .
ما أحمقك يا امرأة.أريدك كما يريدك الكل.لماذا التمنع لماذا؟؟ولعنت الوقار وأسبابه بل لعنت سوء حظي.إن في الصد مر واضح.وتلقاني صاحبي بحيرة فقد رآني حائرا.وناولني سيجارا وهو يقول :-
- ما بك يا صديقي ؟
- أريدها . أريدها !!
- تريد من ؟.
- من ترنو إلى كل مكان.من وهبت نفسها للجميع حتى حان دوري فتركتني وأهملتني.
- أنت . أنت يا شيخنا ؟!!
- شيخكم . شيخكم. اللعنة على شيخكم هذا هل صدقت أنت الآخر هذا الأمر. أنا لست بالشيخ . أريدها .
- لست قوادا .
- والعمل ؟
- اذهب إليها .
- كثيرا ما فعلت ولكنها صدتني.
- حاول من جديد .
- سأحاول من جديد سأحاول ولنرى .
وتركني صديقي والبسمة لا تفارق وجهه.لشد ما تصدمنا الحياة في كثير من الحقائق كنا نؤمن بها و نظنها قدرا مقدورا فإذا هي وهم بناه و أعلاه خيالنا المريض!أنت يا شيـخنا؟ما أحمقكم جميعا.أنا لست بالشيخ أيها الحـمقى. إن حيـاتي هي الصدر الناهد والوجه المستدير. وتذكرت وقاري المزعوم بغتة إذ اقبل علي صبـي يقبل يدي ويسألني أن أدعو الله له.اللعنة عليكم وعلى آبائكم أجمعين.يا حمقى ما أنا إلا رجل ماجن فلا ترون مـا لا أراه في نفسي.في المساء كنت أجلس وحدي أنتظر نسمة هواء تمر في هذا الصيف القائظ.وكنت أنظر إلى الشباب الفائر المار أمامي.لمحتها تجاذبه حديثا أيقنت انه حديث عذب شجي من ضحـكاتها التي تصـل إلى سمعي. هذا ما كان ينقصني يا لبؤة.أي حظ عاثر القـاني في طريقك؟لم تتمنع علي امرأة من قبل ولكن منذ وطئت هذا المكان اللعين الصقوا بي وقارا لا قبل لي به كأني بنفسي أستروضها وأهدأ من ثورتها وأقول حتما قريبا أنالها .وألقيت بنفسي في طريقها من جديد.لم يكن هناك مكان تذهب إليه إلا رأتني فيه.هلا اقتربت مني.لن تندمي يا ملعونة.لن تتركيني إذا أقبلت نحوي.وكنت أدخن سيجارا أعطاه لي صديقي الذي يجلس إلى جواري فشخص ببصره نحوها وتأوه مرة و أخرى ثم قال :-
- جميلة كالبدر يا بدور .
- أتعزيني في حالي يا أحمق ؟
- لها جمال خاص .
- لا أذكره .
- سألتني عنك بالأمس حين كانت جواري.
- ماذا تقول ؟؟ حقا ؟؟
- بالطبع . قالت إنك تنظر إليها نظرات تعرفها كل امرأة . وأنها تريدك.
- متى ؟ متى ؟؟
- الليلة.
أقبل يا ليل.أقبل.الليل سلوى المعذبين وأنيس البائسين.الليل دنيا السمر.الليلة لي.لي وحدي يا بنت العاهرة.وأخذت أرقب الساعة لأرى كم بقى من الوقت على حضورها فشعرت كأن عقارب الساعة توقفت.ما أحمق المتعلقون بالزمن لحظة كسله أو انصرامه وأتت.وعجبت لم ترتديه.ترتدي جلبابا فضفاضا و إيشاربا يغطي شعرها.وأقبلت نحوي فوجمت لرؤيتها بهذه الهيئة التي لا أريدها.ما أعجبك يا امرأة.هل تأتين إلي في ثوبي.ثوب الوقار ولكن على من يا بنت اللبؤة.وصمتت ولم تنطق بشيء.كل ما فعلته هو أن نزعت إيشاربها عن رأسها.لا لتعجل الأمور.وطال صمتي ولم تتحرك من مكانها.كل ما كان هو نظرة كالبرق نحوي ثم توطئ رأسها إلى الأرض .لماذا الحياء يا حمقاء ؟أنا لست بالشيخ الوقور.أنا رجل يريدك يريدك كما أرادك الكواء و العجلاتي والحلاق.والكل نالك.فلماذا وحدي تختصيني بالصمت ؟؟وكان علي أن أصبر.ولكن أنى لهذا النير المستعر داخلي أن يصبر؟؟كيف أطفئ لظى الشوق لها في قلبي.إن الدنس وإن طال الكثير من نفوسنا فإنه تبقى فينا حقائق غامضة لا نعي معناها إلا حين ظهورها بغتة كهذا الصمت الذي طرأ عليها.اقتربي مني.ولكنها لم تقترب ولم تنطق بشيء.هذا الثغر العذب وهذا الصدر الناهد وهذا الجسد الفائر يناديني وشعرها يداعب وجهها.ما أبدع الجمال و ما أقدره على كشف حجب الوقار الزائف !!داعبت شاربي أنا الآخر في زهو. متى نبدأ ؟ قلتها في نفسي وقد تذكرت حكايتها وما يقال عنها.ما قاله لي الحلاق حين كنت أحلق ذقني حين أخبرني كيف أنها تمتلك جرأة نادرة.والكواء وحديثه الذي خلب لبي وصديقي الذي أخبرني أنها تريد لقائي.ما أحمق المرء حين ينتظر ما يشتهي ليجد الصمت الأجوف.وبلغني الضجر وكدت أنقض عليها لأنهي حالة الملل الذي جلبته لي.ما أحمقني.كنت أنتظر ليلة سعيدة.ولكنها جعلتها ليلة تعيسة سقيمة بهذا الصمت ونظرت إلي وأنا واقف أزفر ضيقا وقالت أخيرا :-
- أنا . أنا .أنا
- أنت ماذا ؟
- لا أستطيع الحديث .
- الحديث !!
قلتها في دهشة فقالت :-
- أريد أن أتوب .
- تتوبي ؟!
- أريد أن أتوب وجئتك لتدلني على الطريق.ألست شيخنا.ألست أقربنا إليه وأدرانا بالطريق ؟ أتبخل علي بالطريق أرشدني ؟!
شعرت بالأرض تدور بي.تريد أن تتوب.وتأتيني أنا.لمن يريد توبة !!
- بلى ولكن ؟.
- ماذا أقول ؟
- قولي أشكو إليك ما تعرف . فاغفر ما أعرف وما لا أعرف
وشكرتني باسمة في وجهي وأمسكت رأسي . أهذه هي الحياة أهذه هي الدنيا . كم نشعر بغتة أننا لا زلنا صغارا . أقزاما