السؤال
زوجي مغترب للعمل في الخارج حتى يمكننا الارتقاء بمستوى معيشتنا، حيث إننا سافرنا دون مسكن خاص بنا أو أثاث أو غيره، على أمل أن نستطيع الادخار من عمله ـ حيث ارتفاع الراتب نسبيا ـ ونوفر احتياجاتنا إلى مستوى أفضل في بلدنا ثم نعود لنستقر ببلدنا مرة أخرى، وأتحمل فراقي عن أهلي وبلدي في سبيل هذا وسؤالي هو: أن زوجي عندما يتقاضي راتبه يسألني أن أخاه فلان وأخته فلانة ووالده وأقاربه يطلبون منه كذا وكذا، ما رأيي في ذلك؟ وعندها أكون عاجزة عن الرد، أفدني ـ يا شيخنا ـ فأنا أرى أن أخاه هذا وذاك ليسا في أي حاجة للمساعدة، بينما الأخت فلانة والأخ فلان في حاجة للمساعدة بمقدار كذا، وأبدأ في تبرير رأيي، ولا أخفي عليكم أنني أفكر في نفسي، فأنا مغتربة لفترة محددة، لتوفير مسكن وأثاث ثم أعود، فأقول في نفسي هل نساعد من لديه فيلا وسيارة؟ وهل نساعد الأخت المسؤول عنها زوجها وقد سبق وساعدناها في زواجها بالأثاث، رغم أنني لم أشتره لنفسي حتى الآن؟ فهل أكون مخطئة عندما أبدي رأيي وأقول هذا يحتاج وهذا لا يحتاج بالحجة والبرهان؟ وهل علي إثم عندما أقول: أشتري بهذا أثاثا طالما قد وفرناه لغيرنا وقمنا بدورنا نحوهم ولم نتخل عنهم؟ وزوجي يثق برأيي ويعمل به وأنا خائفة من ارتكاب إثم عندما يأخذ برأيي، فمثلا: في حرماننا من غالب راتب هذا الشهر لأخته حتى تشتري به كماليات؟ علما بأنني تعاملت مع أخته سابقا واكتشفت أنها تكذب علي ـ هداها الله ـ فهل عندما يأخذ برأيي وأبديه ـ كذلك ـ أكون آثمة؟ أفيدوني أفادكم الله، علما بأنني ـ والله ـ أقول له رأيي بما يرضي الله وأخشى أن أمتنع عن إبداء رأيي فيغضب مني وأخشى أن أقول له أعمل ما تحب فيثور علي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يقوم به زوجك من مساعدة إخوته وأخواته ـ خصوصا المحتاج منهم ـ عمل كريم، وهو من القربات العظيمة التي يتقرب بها المتقربون إلى ربهم وينالون بها رضوانه وجنته، لما يتضمنه من صلة الرحم وإيتاء ذوي القربى ومساعدتهم وسيعود عليكم ـ إن شاء الله ـ من بركات هذا العمل في الدنيا قبل الآخرة من سعة الرزق وهناء العيش وطيب الحياة، فإن الله سبحانه شكور يشكر إحسان عباده ويثيبهم عليه، وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
فكوني ـ رحمك الله ـ عونا لزوجك على فعل الخيرات وعمل الصالحات، ولكن ـ في ذات الوقت ـ ينبغي أن يعلم الزوج أن زوجته وأولاده هم أولى الناس ببره وإحسانه، فينبغي أن يهتم بتلبية ضرورياتهم وحاجياتهم قبل إخوته وسائر أرحامه، ففي
سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فقال رجل يا رسول الله عندي دينار، فقال تصدق به على نفسك، قال عندي آخر، قال تصدق به على ولدك، قال عندي آخر، قال تصدق به على زوجتك ـ أو قال زوجك ـ قال عندي آخر، قال تصدق به على خادمك، قال عندي آخر قال أنت أبصر. حسنه الألباني.
جاء في شرح سنن أبي داود للعيني: المراد من الصدقة فيه: النفقة، ورتب عليه السلام الأول فالأول والأقرب فالأقرب، أمره أن يبدأ بنفسه ثم بولده، لأنه كبعضه، ثم ثلث بالزوجة وأخرها عن الولد، لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها تركها فينفق عليها ذو رحم تجب نفقتها عليها أو تتزوج بآخر فينفق عليها. انتهى.
أما عن استشارة زوجك فيمن يستحق العطاء ومن لا يستحق: فالواجب عليك أن تنصحي له بالحق والعدل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن. رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني.
ولأن هذا من جنس النصيحة الواجبة، فعن تميم الداري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم.
وروى مسلم في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حق المسلم على المسلم ست: قيل ما هن يا رسول الله؟ قال إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس ـ فحمد الله ـ فشمته، وإذا مات فاتبعه.
جاء في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: وإذا استنصحك: أي طلب منك النصح ـ وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل ـ فانصح له وجوبا عليك بأن تذكر له ما به صلاحه، وطلبه ليس شرطا لوجوب بذله أو ندبه، لأنه يجب تارة ويندب أخرى لمن طلب ومن لم يطلب، فذكره إنما هو لإفادة أن تأكده بعد الطلب أكثر. انتهى.
وفي التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: وإذا استنصحك فانصح له. وجوبا وابذل الجهد. انتهى.
فما دمت تتقين الله سبحنه في نصيحتك وتوجهين زوجك إلى ما فيه الحق والصواب، فلا حرج عليك من ذلك.
والله أعلم.